اللجوء في الصين 

تُعد الصين، بوصفها ثاني أكبر اقتصاد عالمي ودولة ذات نفوذ متزايد، وجهة محتملة للأفراد الفارين من الاضطهاد أو النزاعات. ومع ذلك، تتبنى الصين نهجًا صارمًا في التعامل مع قضايا اللجوء، حيث تُعطي الأولوية للأمن القومي والاستقرار الداخلي. يتميز نظام اللجوء في الصين بتعقيدات قانونية وسياسية، مع تفويض كبير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لإدارة طلبات اللجوء. يهدف هذا المقال إلى استعراض الإطار القانوني، أعداد اللاجئين وجنسياتهم، التحديات التي يواجهونها، والسياق الإنساني والدولي للجوء في الصين.

الإطار القانوني للجوء في الصين

وقّعت الصين على اتفاقية جنيف لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، مما يلزمها بحماية اللاجئين قانونيًا. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الالتزامات يبقى محدودًا. يعتمد النظام القانوني في الصين على قانون إدارة الدخول والخروج لعام 2012، الذي ينظم إقامة الأجانب ويتضمن أحكامًا لطالبي اللجوء. لكن الصين لا تملك آلية مستقلة لمعالجة طلبات اللجوء، وتُفوض هذه المهمة إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مدن مثل بكين وغوانزو. تقوم المفوضية بتسجيل طالبي اللجوء وتقييم حالاتهم بناءً على المعايير الدولية، لكن القرارات النهائية غالبًا ما تخضع لتدقيق السلطات الصينية، مما يعكس نهجًا حذرًا في التعامل مع هذه القضية.

عدد اللاجئين وجنسياتهم في الصين

حتى يونيو 2025، تشير البيانات إلى أن عدد اللاجئين المسجلين في الصين لا يتجاوز 500 شخص، إلى جانب عدد مماثل من طالبي اللجوء الذين ينتظرون معالجة طلباتهم. تُشرف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على هؤلاء الأفراد، لكن السلطات الصينية لا تنشر إحصاءات رسمية، مما يجعل الأرقام تقديرية. ينحدر اللاجئون وطالبو اللجوء من عدة دول تعاني من نزاعات أو اضطهاد، بما في ذلك كوريا الشمالية، حيث يُشكل الفارون منها نسبة كبيرة، لكن الصين تصنفهم كمهاجرين اقتصاديين بدلاً من لاجئين، مما يعرضهم لخطر الترحيل. كما يوجد أفراد من ميانمار، خاصة من أقليات مثل الكاشين والروهينغا، بالإضافة إلى أعداد محدودة من دول أفريقية مثل الصومال والسودان وإريتريا، وأخرى مثل سوريا وأفغانستان. هذه التنوعات تعكس التحديات العالمية للهجرة القسرية، لكن الأعداد المنخفضة تُظهر القيود الصارمة التي تفرضها الصين على استقبال اللاجئين.

التحديات التي تواجه طالبي اللجوء في الصين

يواجه طالبو اللجوء في الصين عقبات جمة تحول دون تحقيق الأمان والاستقرار. أولاً، لا تُصدر السلطات وثائق إقامة مؤقتة أو دائمة لطالبي اللجوء، مما يضعهم في حالة قانونية غامضة. هذا الوضع يعرضهم لخطر الاعتقال أو الترحيل في حال انتهاكهم للوائح الإقامة. ثانيًا، يُحظر على طالبي اللجوء العمل بشكل قانوني، مما يجبرهم على الاعتماد على مساعدات محدودة من المفوضية أو منظمات غير حكومية. كما تُعيق القيود على حرية الحركة والوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، قدرتهم على العيش بكرامة. تُعزى هذه التحديات إلى السياسات الصينية التي تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية، مما يجعل الصين وجهة غير مفضلة للجوء مقارنة بدول أخرى.

وضع اللاجئين المعترف بهم في الصين

حتى عند الاعتراف بوضع اللاجئ من قبل مفوضية الأمم المتحدة، لا يحصل اللاجئون في الصين على إقامة طويلة الأمد. تُعتبر الصين بلدًا مؤقتًا للاجئين، حيث يتم السعي لإعادة توطينهم في دول ثالثة مثل كندا أو أستراليا. يُسمح لبعض اللاجئين بالبقاء مؤقتًا تحت إشراف المفوضية، لكنهم يخضعون لمراقبة السلطات المحلية. يتلقى هؤلاء مساعدات محدودة، مثل الإقامة في مراكز مخصصة أو دعم مالي متواضع، لكن غياب إطار قانوني لدمجهم في المجتمع الصيني يجعل اندماجهم اجتماعيًا واقتصاديًا شبه مستحيل. هذا الوضع يعكس نهج الصين الحذر تجاه اللاجئين، مع تفضيل إعادة التوطين على الإقامة الدائمة.

المجموعات العرقية والدينية في سياق اللجوء في الصين

تبرز قضية الأويغور في إقليم شينجيانغ كأحد أبرز الموضوعات المرتبطة بحقوق الإنسان في الصين. تواجه هذه الأقلية المسلمة قيودًا مشددة، بما في ذلك الاعتقالات وبرامج إعادة التثقيف، مما دفع البعض للبحث عن اللجوء خارج الصين. داخليًا، لا يُعتبر الأويغور طالبي لجوء، حيث يُعاملون كمواطنين صينيين، لكن ظروفهم تسلط الضوء على التحديات الإنسانية. من ناحية أخرى، تُمنح أقليات مثل الحوي حرية نسبية في ممارسة شعائرهم تحت إشراف الدولة، لكن هذا لا ينطبق على طالبي اللجوء الأجانب. تُظهر هذه الديناميكيات التوازن المعقد بين السياسات الداخلية والالتزامات الدولية في الصين.

الدور الدولي والتعاون مع الصين في قضايا اللجوء

على المستوى الدولي، تقتصر مشاركة الصين في قضايا اللجوء على دعم محدود لمفوضية الأمم المتحدة من خلال التمويل أو التعاون في برامج إقليمية. ومع ذلك، تُحافظ الصين على سياسات داخلية صلبة تمنع تدفقات كبيرة من اللاجئين إلى أراضيها. تتعاون الصين مع دول الجوار، مثل كوريا الشمالية، في إعادة الفارين، وهو ما أثار انتقادات دولية لانتهاكه مبدأ عدم الإعادة القسرية. تسعى الصين لتحسين صورتها الدولية عبر المشاركة في المحافل المتعلقة باللاجئين، لكن هذا لا يترجم دائمًا إلى سياسات مرنة داخليًا، حيث يظل التركيز على السيطرة على الحدود والاستقرار الإقليمي.

خاتمة: مستقبل اللجوء في الصين

يظل اللجوء في الصين خيارًا محدودًا بسبب القوانين الصارمة، القيود على الإقامة والعمل، والاعتماد على مفوضية الأمم المتحدة. أعداد اللاجئين المنخفضة وتنوع جنسياتهم يعكسان التحديات العالمية للهجرة القسرية، لكن السياسات الصينية تجعل البلاد وجهة غير جذابة للجوء. مع النمو الاقتصادي المستمر والالتزامات الدولية، قد تشهد الصين إصلاحات مستقبلية تُحسن ظروف اللاجئين، لكن ذلك يتطلب إطارًا قانونيًا أكثر شمولاً لدمجهم في المجتمع. حتى ذلك الحين، ستظل الصين تركز على الأمن الوطني، مع الحد الأدنى من استقبال اللاجئين.