تُعد إيران من أكثر الدول الإسلامية تأثيرًا في منطقة الشرق الأوسط، سواء من حيث التعداد السكاني للمسلمين أو من حيث الثقل الديني والمذهبي. تُمثل الديانة الإسلامية العنصر الرئيسي في تكوين الهوية الوطنية الإيرانية، ويُشكل المسلمون الغالبية العظمى من السكان، مما يمنح الإسلام دورًا مركزيًا في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. ومع تطور الأحداث في المنطقة وتغير التوجهات الفكرية والديموغرافية، بات من المهم الوقوف عند تفاصيل هذا التكوين الديني، وأعداد المسلمين، وانتماءاتهم، وتوزيعهم الجغرافي، وكذلك ملامح التنوع العقائدي والمذهبي الذي تُعرف به إيران.
أقسام المقال
إيران: التركيبة السكانية والدينية
يبلغ عدد سكان إيران وفقًا لآخر التقديرات في عام 2025 نحو 92.4 مليون نسمة. تتمتع البلاد بتنوع سكاني ملحوظ، إلا أن العامل الديني يُعد الأكثر اتساقًا بين السكان، حيث تُهيمن الديانة الإسلامية على الساحة السكانية. ومع أن إيران دولة متعددة الأعراق كالفُرس، والأكراد، والبلوش، والعرب، والأذريين، إلا أن وحدة الانتماء الديني تُخفف من حدة الانقسام العرقي في العديد من الحالات، خاصة أن أغلب هذه الأعراق تعتنق الإسلام.
عدد المسلمين في إيران
يُقدر عدد المسلمين في إيران بما يقارب 91.5 مليون نسمة، أي أكثر من 99% من عدد السكان الكلي. ويُعد هذا الرقم من بين الأعلى عالميًا من حيث نسبة المسلمين إلى عدد السكان، مما يجعل إيران ضمن قائمة الدول الإسلامية الكبرى ديموغرافيًا. يتوزع هؤلاء المسلمون بين المذهب الشيعي والمذهب السني، حيث يُشكّل الشيعة النسبة الغالبة. ويعكس هذا الحجم الكبير من المسلمين التأثير الواسع للدين في الحياة العامة، بدءًا من السياسات، إلى وسائل الإعلام، إلى التعليم، مرورًا بمراسم الحياة اليومية والمناسبات الدينية.
إيران: المسلمون السنة وتوزيعهم الجغرافي
يشكل المسلمون السنة في إيران ما نسبته من 5 إلى 10% من مجموع المسلمين، أي ما يقارب 5 إلى 9 ملايين شخص. ويتوزع هؤلاء السنة في مناطق حدودية مثل محافظة سيستان وبلوشستان ذات الأغلبية البلوشية، وكذلك كردستان وكرمانشاه ذات الأغلبية الكردية، ومناطق من محافظة خوزستان ذات الأغلبية العربية.
يُعتبر السنة في إيران أقلية دينية، ويواجهون في بعض الأحيان قيودًا تتعلق بالتمثيل السياسي والممارسة الدينية العلنية. ومع ذلك، فإن وجودهم له جذور تاريخية، وتسعى بعض المنظمات والهيئات إلى تعزيز مشاركة السنة في الحياة العامة من خلال تطوير التعليم، وبناء المساجد، وإطلاق المبادرات الاجتماعية.
إيران: الأقليات الدينية غير المسلمة
رغم الطابع الإسلامي الغالب، تضم إيران أقليات دينية أخرى تُسهم في تشكيل فسيفساء دينية متنوعة، وإن كانت صغيرة نسبيًا. تشمل هذه الأقليات المسيحيين من الأرمن والآشوريين، واليهود، والزرادشتيين، والبهائيين.
يُقدر عدد المسيحيين في إيران بين 250,000 إلى 370,000 نسمة، بينما يُعد عدد اليهود الأقل حيث لا يتجاوز 25,000 نسمة. ويُذكر أن الزرادشتية، التي تُعد من أقدم الديانات الإيرانية، لا يزال لها أتباع رغم طابعها التاريخي. يُعترف ببعض هذه الأديان في الدستور الإيراني، وتُمنح لهم مقاعد برلمانية محددة، إلا أن بعضهم يشتكي من التمييز في بعض الجوانب الحياتية.
إيران: التغيرات الديموغرافية والتحديات المستقبلية
شهدت إيران في السنوات الأخيرة تغيرات ديموغرافية لافتة، أبرزها انخفاض معدل الخصوبة إلى 1.67 طفل لكل امرأة، ما يُثير القلق حيال مستقبل النمو السكاني. ويُصاحب ذلك ارتفاع في متوسط العمر وتقدم سكاني باتجاه الشيخوخة، مما يضع ضغوطًا على الاقتصاد والرعاية الصحية وسوق العمل.
ومن جهة أخرى، يُلاحظ تزايد عدد الشباب الذين يُعيدون التفكير في التقاليد الدينية، أو يعبرون عن انتماءات دينية مرنة أو غير تقليدية، ما يُشكل تحديًا للهيكل الديني الرسمي القائم. لكن يبقى الإسلام، بشقيه الشيعي والسني، هو الدين الجامع والأكثر تأثيرًا، رغم تنامي ظواهر التعددية الفكرية والدينية.
إيران: الإسلام كعنصر مركزي في الهوية الوطنية
منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، أصبح الإسلام ليس فقط دين الدولة، بل الأساس الذي يُبنى عليه النظام السياسي والتشريعي والتربوي. المذهب الشيعي هو الركيزة العقائدية للنظام، ويُستخدم كمرجعية فقهية وقانونية في إصدار القوانين وتسيير السياسات العامة.
وتلعب المؤسسات الدينية في إيران دورًا كبيرًا في التعليم والإعلام والثقافة، حيث تنتشر الحوزات العلمية، وتُدعم الأنشطة الدينية بموازنات ضخمة، وتُقام المناسبات الإسلامية بمشاركة جماهيرية واسعة. وفي الوقت نفسه، تسعى الدولة إلى تصدير النموذج الإسلامي الشيعي إلى الخارج ضمن استراتيجيتها الإقليمية.