تُعد الجمهورية التركية دولة محورية على خريطة العالم، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي الذي يربط بين قارتي آسيا وأوروبا، بل أيضًا بسبب ديناميكيتها السكانية المتغيرة باستمرار. ومع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد، باتت دراسة التركيبة السكانية وعدد السكان مؤشرًا مهمًا لفهم مستقبل تركيا في السنوات القادمة. هذا المقال يستعرض أحدث الإحصاءات حول عدد السكان في تركيا ويحلل الجوانب المرتبطة بالتوزيع الجغرافي، التركيبة الديموغرافية، ومعدل النمو الطبيعي والهجرة.
أقسام المقال
عدد سكان تركيا
بحسب آخر التقديرات والإحصاءات السكانية، يبلغ عدد سكان تركيا في منتصف عام 2025 نحو 87,685,426 نسمة. يُعد هذا الرقم مؤشرًا مهمًا على النمو المستقر في عدد السكان، حيث أن الزيادة السكانية لم تعد متسارعة كما في العقود الماضية، بل أصبحت أكثر توازنًا. ومن الجدير بالذكر أن تركيا تحتل المرتبة 18 على مستوى العالم من حيث عدد السكان، وهو ما يجعلها واحدة من أكبر الدول من حيث الكثافة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا. النمو السكاني هذا نابع في جزء منه من معدل المواليد، لكن هناك عوامل أخرى مثل الهجرة والتغيرات الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في هذه الزيادة.
الكثافة السكانية وتوزيع السكان في تركيا
تبلغ الكثافة السكانية في تركيا حوالي 114 شخصًا لكل كيلومتر مربع، وهي نسبة معتدلة مقارنة بدول ذات مساحات مشابهة. لكن الملاحظ أن هناك تباينًا كبيرًا في التوزيع السكاني بين المدن الكبرى والمناطق الريفية. فالعاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول وحدهما تحتضنان عشرات الملايين من السكان، بينما تعاني بعض المناطق الشرقية من انخفاض الكثافة السكانية. يشير هذا التفاوت إلى أن تركيا تواجه تحديًا في توزيع الموارد والخدمات بشكل عادل، خصوصًا مع تصاعد موجات النزوح الداخلي نحو المدن الكبرى بحثًا عن فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية.
التركيبة العمرية للسكان في تركيا
تشير الإحصائيات إلى أن المجتمع التركي لا يزال يحتفظ بنسبة كبيرة من فئة الشباب، رغم التراجع التدريجي في معدلات الخصوبة. تبلغ نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا نحو 20.9%، في حين أن من هم في سن العمل (15-64 عامًا) يمثلون نحو 68.4%. أما نسبة كبار السن الذين تجاوزوا 65 عامًا فتقدر بـ10.6%، وهي نسبة في ارتفاع مستمر بفعل تحسن الخدمات الصحية وارتفاع متوسط العمر المتوقع. هذا التغير في التوازن الديموغرافي يشير إلى احتمالية دخول تركيا في مرحلة “الشيخوخة السكانية” خلال العقود المقبلة، مما سيتطلب مراجعة السياسات المتعلقة بالتقاعد والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
معدل الخصوبة والوفيات في تركيا
من بين المؤشرات المهمة التي تؤثر في عدد السكان في تركيا هو معدل الخصوبة، والذي انخفض في السنوات الأخيرة ليصل إلى 1.62 طفل لكل امرأة في عام 2025. هذا الرقم أقل من المعدل المطلوب لضمان استقرار السكان على المدى الطويل، وهو 2.1. ويرجع هذا الانخفاض إلى عوامل اقتصادية واجتماعية منها تأخير الزواج، وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة مشاركة النساء في سوق العمل. من ناحية أخرى، فإن معدل الوفيات يبلغ حوالي 5.75 وفاة لكل 1000 نسمة، وهو ما يعكس تقدمًا ملحوظًا في الخدمات الصحية والوقائية، لكنه لا يعوض الانخفاض الحاد في المواليد.
الهجرة وتأثيرها على السكان في تركيا
الهجرة تُعد من العوامل المؤثرة بقوة في التركيبة السكانية لتركيا. فقد استقبلت البلاد منذ عام 2011 ملايين اللاجئين، خاصة من سوريا والعراق وأفغانستان. في عام 2025، يُقدّر عدد اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضي التركية بأكثر من 2.8 مليون لاجئ، وهو ما شكل تحديًا كبيرًا للحكومة والمجتمع على حد سواء. إلى جانب ذلك، تشهد البلاد حركة هجرة داخلية نشطة من القرى والمناطق الريفية إلى المدن الكبرى، وهو ما يزيد من العبء على البنية التحتية في هذه المدن ويؤثر على الخدمات العامة مثل الإسكان والنقل والتعليم.
السياسات الحكومية والتحديات الديموغرافية في تركيا
في محاولة لمواجهة التغيرات الديموغرافية، أطلقت الحكومة التركية عددًا من المبادرات لتحفيز الإنجاب وزيادة معدلات الخصوبة. فقد تم إعلان عام 2025 “عام الأسرة”، وتقديم حوافز مالية للأسر التي تنجب أكثر من طفلين، بالإضافة إلى توفير برامج دعم لرعاية الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. ورغم هذه الجهود، لا تزال هناك صعوبات كبيرة، أبرزها التفاوت الاقتصادي بين المناطق، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ما يجعل التأثير الإيجابي لهذه السياسات محدودًا ما لم يصاحبه تحسن شامل في الظروف المعيشية.
التعليم والصحة ودورهما في التحولات السكانية
أحد أبرز المحركات في التحولات الديموغرافية في تركيا هو قطاعا التعليم والصحة. فالتعليم، خاصة بين النساء، أدى إلى ارتفاع مستوى الوعي والتحكم في عدد أفراد الأسرة، بينما ساهم تحسن جودة الرعاية الصحية في خفض معدلات وفيات الأطفال وزيادة متوسط العمر. المدارس والجامعات التركية اليوم تستقبل أعدادًا كبيرة من الطلاب الأجانب واللاجئين، ما يشير إلى تحول تدريجي في التركيبة السكانية والثقافية داخل البلاد.
التوقعات المستقبلية للسكان في تركيا
تشير التوقعات إلى أن عدد سكان تركيا قد يتجاوز 92 مليون نسمة بحلول عام 2026، لكن النمو السكاني قد يواصل التباطؤ في ظل استمرار انخفاض معدلات الخصوبة وزيادة معدلات الهجرة الخارجية. من المحتمل أن يتغير شكل الهرم السكاني في العقود القادمة، حيث يتقلص عدد الشباب ويزداد عدد كبار السن، ما يستدعي سياسات اقتصادية مرنة قادرة على استيعاب هذا التغير. التحدي الأبرز أمام تركيا سيكون موازنة النمو السكاني مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز التماسك المجتمعي في ظل التغيرات السريعة.