العرب في أوكرانيا

شهدت أوكرانيا خلال العقود الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في أعداد العرب المقيمين فيها، سواء كطلاب أو كرجال أعمال أو كعائلات اختارت الاستقرار الدائم. ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أصبحت أوضاع العرب هناك محط اهتمام متزايد، نظرًا لتأثرهم الكبير بالأوضاع السياسية والإنسانية المتقلبة. في هذا المقال، نستعرض بدقة حضور العرب في أوكرانيا، جنسياتهم، توزيعهم الجغرافي، طبيعة نشاطهم، التحديات التي يواجهونها، وآمالهم في المستقبل.

عدد العرب في أوكرانيا وجنسياتهم

يُقدّر عدد العرب المقيمين في أوكرانيا بنحو 50 ألف شخص، يتوزعون بين طلاب جامعيين، مقيمين دائمين، أصحاب أعمال، وأسر مستقرة منذ سنوات. تشمل أبرز الجنسيات: السوريون، الفلسطينيون، العراقيون، الأردنيون، المغاربة، الجزائريون، المصريون، واللبنانيون. وتُعد الجالية السورية الأكبر عددًا، تليها الجالية الفلسطينية، حيث توجد أعداد كبيرة من الطلبة والمقيمين في مختلف المدن الأوكرانية.

كييف: قلب الوجود العربي في أوكرانيا

تُعد العاصمة كييف المركز الأكبر للجالية العربية، حيث يتجاوز عدد المقيمين فيها 5 آلاف شخص. يتوزع العرب في كييف على عدة مجالات، من أبرزها التعليم، الترجمة، ريادة الأعمال، والخدمات الطبية. كما تحتضن المدينة عدة مطاعم ومراكز عربية ومساجد، تُسهم في الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للجالية. ورغم التحديات الأمنية التي فرضتها الحرب، حافظ كثيرون على تواجدهم في المدينة، إيمانًا منهم بالاستقرار المستقبلي.

أوديسا: جالية عربية نشطة رغم التهديدات

تتمتع مدينة أوديسا الساحلية بحضور عربي قوي، خاصة من أبناء دول المغرب العربي وبلاد الشام. وتُعرف المدينة بنشاطها التجاري والثقافي، حيث تضم مراكز إسلامية ومساجد ومقاهي عربية تعزز الروابط بين أفراد الجالية. إضافة لذلك، يساهم العرب في القطاع السياحي والمطاعم والمبادرات الثقافية، ما يجعل حضورهم في أوديسا بارزًا ومؤثرًا.

خاركيف ودنيبرو: امتداد عربي أكاديمي

تستقطب مدينتا خاركيف ودنيبرو أعدادًا كبيرة من الطلاب العرب، خصوصًا في تخصصات الطب والهندسة والصيدلة. وقد عُرفت جامعات خاركيف بجودة تعليمها وانخفاض تكاليفها، مما جعلها وجهة مفضلة للعرب. إلا أن الحرب أثرت بشكل مباشر على الحياة الأكاديمية، وأجبرت العديد من الطلاب على العودة لبلدانهم أو الانتقال لدول أوروبية أخرى.

الطلاب العرب في أوكرانيا: بين الطموح والانقطاع

شكل الطلاب العرب فئة هامة من الجاليات العربية، حيث توافد آلاف الطلاب من مصر والمغرب والجزائر والأردن والعراق للدراسة في الجامعات الأوكرانية. ومع اندلاع الحرب، واجه هؤلاء الطلاب مصاعب جمة، شملت تعليق الدراسة، صعوبة التنقل، وانخفاض مستوى الأمن. كما رفضت بعض الجامعات توفير التعليم عن بُعد، مما دفع بعض الطلاب إلى فقدان عام دراسي كامل أو التقديم على منح دولية بديلة.

أثر الحرب على العائلات العربية

تضررت العائلات العربية المقيمة في أوكرانيا من الحرب بشكل كبير. البعض اضطر للنزوح داخليًا أو اللجوء لدول الجوار مثل بولندا ورومانيا وسلوفاكيا، في حين بقي آخرون متمسكين بمنازلهم رغم الخطر. يواجه هؤلاء مشكلات في الإمدادات، الرعاية الصحية، والتعليم لأبنائهم. ومع ذلك، تشكلت مبادرات مجتمعية داخل الجالية لتوفير الدعم والمساعدات الضرورية.

مبادرات الجاليات العربية في أوكرانيا

مع تفاقم الأوضاع، شكلت الجاليات العربية لجانًا تطوعية لتقديم الإغاثة، تنظيم عمليات الإجلاء، والتواصل مع السفارات العربية. وتم إنشاء مجموعات تنسيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة التطورات وتقديم الإرشادات اللازمة. كما نشطت الجاليات في توثيق أوضاعهم وإيصال صوتهم للمنظمات الدولية، بهدف المطالبة بالحماية وتسهيل التنقلات.

التحديات القانونية التي يواجهها العرب

تُعد الإجراءات القانونية من أبرز العقبات التي يواجهها العرب في أوكرانيا، خاصة فيما يتعلق بتجديد الإقامات وتصديق الشهادات الجامعية. ويواجه العرب صعوبات إضافية في القنصليات، سواء لتأمين الأوراق الثبوتية أو التقديم على التأشيرات. كما أن بعض الطلبة العرب وجدوا أنفسهم في موقف معلق بعد تعليق الدراسة دون حصولهم على شهادات معترف بها.

أثر العرب في المجتمع الأوكراني

لعب العرب دورًا إيجابيًا في المجتمع الأوكراني، من خلال إنشاء شركات صغيرة، دعم الأنشطة الثقافية، والانخراط في العمل التطوعي. كما ساهم الأطباء والمهندسون العرب في تحسين الخدمات في مناطق عدة، وتم تكريم عدد منهم من قبل هيئات أوكرانية تقديرًا لجهودهم. وتُعد قصص النجاح الفردي رمزًا لتأثير الجاليات العربية الإيجابي.

مستقبل العرب في أوكرانيا

يبقى مستقبل العرب في أوكرانيا مرتبطًا بمآلات الحرب والاستقرار السياسي. فبين من غادر مضطرًا وبين من تمسك بالبقاء، ثمة قاسم مشترك هو الأمل في عودة الحياة إلى طبيعتها. ويتطلع كثير من العرب إلى دور أكبر في عمليات إعادة الإعمار مستقبلاً، خاصة ممن اكتسبوا خبرات مهنية وعلاقات داخل المجتمع الأوكراني.

خاتمة

وجود العرب في أوكرانيا ليس جديدًا، لكنه أصبح تحت المجهر مع تصاعد الأزمات. هم اليوم جزء لا يتجزأ من المشهد الإنساني والاقتصادي في البلاد، ويواجهون تحديات حقيقية لكنهم يحملون في ذات الوقت قصص صمود مبهرة. وبين الحنين للوطن والانتماء لمجتمعهم الجديد، يكتب العرب في أوكرانيا فصلًا متجددًا من الحضور العربي في أوروبا الشرقية.