نساء أوكرانيا

تشكّل النساء في أوكرانيا عمودًا فقريًا لا غنى عنه في نسيج المجتمع الأوكراني، فقد برزن في مختلف القطاعات وتركّن بصمات لا تُمحى على الصعيدين المحلي والدولي. في ظل ما تواجهه أوكرانيا من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متلاحقة، لعبت المرأة الأوكرانية دورًا رياديًا في النضال والتغيير، لتكون مثالًا يُحتذى في الإرادة والثبات. هذا المقال يستعرض أوجه التميّز والتحديات التي تواجهها نساء أوكرانيا اليوم.

المرأة الأوكرانية في السياسة

شهدت الساحة السياسية الأوكرانية تطورًا ملحوظًا في تمثيل النساء، خصوصًا بعد ثورة الكرامة عام 2014. فتمكّنت النساء من الوصول إلى مناصب تشريعية وتنفيذية مؤثرة، مثل عضوية البرلمان (Verkhovna Rada)، وتولّي مناصب وزارية. وتُعد النساء من بين أبرز الأصوات المنادية بالإصلاح، والحريصة على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد.

كما ساهمت المرأة في قيادة الحركات المدنية والمنظمات الحقوقية، واستطاعت التأثير في الرأي العام من خلال خطاب عقلاني ومبني على المشاركة المجتمعية. وبرغم التقدم، ما تزال المرأة تعاني من فجوات في التمثيل السياسي مقارنة بالرجال، ما يستدعي سن سياسات أكثر إنصافًا.

المرأة الأوكرانية في التعليم والبحث العلمي

منذ استقلال أوكرانيا، شهدت المؤسسات الأكاديمية إقبالًا متزايدًا من النساء، إذ باتت المرأة تشكّل أكثر من نصف الطلبة في الجامعات. ولعبت دورًا مميزًا في ميادين البحث العلمي، خاصة في مجالات الطب، والعلوم الاجتماعية، والتكنولوجيا. وقد أسهم هذا الحضور في رفع مكانة أوكرانيا أكاديميًا رغم محدودية الموارد.

ومع انتشار المنح والبرامج البحثية المشتركة مع الجامعات الأوروبية، بدأت النساء الأوكرانيات في تحقيق إنجازات علمية دولية، وهو ما يشكّل مصدر فخر ورافعة اقتصادية للمجتمع الأوكراني.

المرأة الأوكرانية في الاقتصاد وريادة الأعمال

ساهمت نساء أوكرانيا في دعم الاقتصاد الوطني، خاصة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفي قطاع التكنولوجيا الناشئة. فقد ظهرت نماذج نسائية ناجحة في ريادة الأعمال، استطعن من خلالها تجاوز البيروقراطية والقيود التقليدية، وخلق فرص عمل جديدة في بيئة اقتصادية متقلبة.

ومع أن المرأة لا تزال تواجه عقبات مثل فجوة الأجور والتحيز المهني، فإنها أثبتت جدارتها في مواقع الإدارة والتنفيذ، وبرزت في قطاعات كانت حكرًا على الرجال مثل النقل والبرمجة والتمويل.

المرأة الأوكرانية في زمن الحرب

مع اشتداد الصراع العسكري منذ 2022، تحولت المرأة الأوكرانية إلى أيقونة للصمود. فقد التحقت الآلاف بالخدمة العسكرية، وشاركت في الدعم اللوجستي والطبي والنفسي للمتضررين. كما تولت أدوارًا تنظيمية في الداخل والخارج، لتأمين الغذاء والمأوى للمُهجرين، والعمل على حفظ كرامة الأسر المتضررة.

كذلك أظهرت الصحفيات والمدافعات عن حقوق الإنسان من النساء شجاعة نادرة في تغطية الأحداث من قلب الجبهات، مخاطرات بأرواحهن لنقل الحقيقة وكشف الانتهاكات.

المرأة الأوكرانية في الثقافة والفنون

لعبت النساء دورًا بارزًا في تشكيل المشهد الثقافي في أوكرانيا. فقد ظهرت أسماء نسائية لامعة في مجالات الأدب والشعر والمسرح والسينما، حاملة قضايا المجتمع إلى الجمهور المحلي والعالمي. كما استثمرت النساء في الفن كوسيلة للتعبير عن المأساة الوطنية والصراعات الداخلية.

وفي الموسيقى والفن التشكيلي، استحضرت النساء الذاكرة الشعبية والتراث الوطني بأساليب معاصرة، مما ساعد في تعزيز الهوية الوطنية الأوكرانية.

دور المرأة في الأسرة والمجتمع المدني

إضافةً إلى أدوارها المهنية، ما تزال المرأة الأوكرانية تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على استقرار الأسرة، وتربية الأجيال على القيم الإنسانية والمواطنة. كما برزت كقائدة في منظمات المجتمع المدني، تنظم حملات دعم اللاجئين، والتعليم المجتمعي، والرعاية النفسية.

وقد مثّلت الجمعيات النسوية صوتًا هامًا في الدفاع عن حقوق الإنسان، والمطالبة بسياسات اجتماعية عادلة، خصوصًا في ما يتعلق بالأمهات العازبات، وحقوق العاملات، وضحايا العنف الأسري.

المرأة الأوكرانية في الشتات

لم تتوقف مساهمات النساء الأوكرانيات عند حدود الدولة، بل امتدت إلى الجاليات المنتشرة في أوروبا وأميركا. فقد أسسن منظمات لدعم اللاجئين، وأطلقن مبادرات للتعريف بالثقافة الأوكرانية، وجمع التبرعات لصالح الداخل.

كما دخلن في شراكات مع منظمات دولية لنقل معاناة الشعب الأوكراني إلى المنصات العالمية، والتأثير في السياسات الخارجية بشأن أوكرانيا.

التحديات والآفاق المستقبلية

رغم كل ما تحققه المرأة الأوكرانية، فإنها لا تزال تواجه تحديات كبرى، منها التمييز المؤسسي، والقيود الاجتماعية، والعنف القائم على النوع، خاصة في ظل ظروف الحرب والاضطرابات. ومع ذلك، فإن مستقبل المرأة في أوكرانيا يبدو واعدًا، بفضل الطاقات الشابة والسياسات التي بدأت تعترف بأهمية تمكين النساء.

إن مسار المرأة الأوكرانية هو مسار أمة بأكملها تناضل من أجل العدالة والكرامة، والمرأة اليوم تقف في طليعة هذا النضال بكل شجاعة وإبداع.