تُعد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر الدول تنوعًا دينيًا في العالم، إذ تجتمع على أراضيها أديان العالم الكبرى إلى جانب تيارات روحية جديدة، وتعايش بين الإيمان واللادين. ومع أن المسيحية لا تزال الديانة الأكثر انتشارًا، إلا أن حضور الديانات الأخرى يتنامى ببطء، ويقابله في الوقت نفسه صعود سريع لفئة غير المنتمين دينيًا، خاصة بين الشباب. في هذا المقال، نرصد أحدث الأرقام حول توزيع الديانات في الولايات المتحدة، ونحلل الاتجاهات الحالية والديناميكيات المستقبلية لهذا المشهد المتغير باستمرار.
أقسام المقال
المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية
رغم تراجعها خلال العقود الماضية، لا تزال المسيحية تحتفظ بالغالبية السكانية في الولايات المتحدة بنسبة تُقدّر بـ62% من مجموع السكان البالغ عددهم حوالي 347 مليون نسمة، أي ما يقارب 215.1 مليون شخص. وتنقسم المسيحية الأمريكية إلى عدة طوائف رئيسية:
- البروتستانت: يشكلون 40% من السكان (حوالي 138.8 مليون نسمة)، ويتنوعون بين إنجيليين، بروتستانت تقليديين، ومجموعات نوندينومينايشنال مستقلة.
- الكاثوليك: يمثلون 19% من السكان (65.9 مليون نسمة)، مع حضور قوي في الولايات ذات الأغلبية اللاتينية مثل تكساس وكاليفورنيا.
- الطوائف المسيحية الأخرى: مثل المورمون، الأرثوذكس الشرقيين، شهود يهوه، ويشكلون حوالي 3% (10.4 مليون نسمة).
تبقى المسيحية محورًا مركزيًا في الحياة الثقافية والسياسية الأمريكية، لكن التحديات الديموغرافية التي تواجهها واضحة، خاصة في صفوف الشباب الذين يبتعدون عن الانتماء المؤسسي.
غير المنتمين دينيًا: صعود فئة “Nones”
ارتفعت نسبة غير المنتمين لأي دين – وهم من يُعرفون بـ”Nones” – إلى 29% من السكان، أي نحو 100.6 مليون نسمة. وتضم هذه الفئة:
- الملحدون: 5% (17.4 مليون نسمة).
- اللادينيون: 6% (20.8 مليون نسمة).
- “لا شيء محدد”: 18% (62.5 مليون نسمة)، وهي الفئة الأسرع نموًا بين الأجيال الشابة.
يمثل هؤلاء ظاهرة جديدة تتجاوز مجرد الرفض للدين، بل تعكس تحولات ثقافية تتعلق بالفردانية، والاعتماد على الروحانية الذاتية، والانفصال عن المؤسسات الدينية التقليدية.
الأديان غير المسيحية: حضور متنامي رغم الأقلية
تشكل الأديان غير المسيحية ما نسبته 7% من إجمالي السكان، أي حوالي 24.3 مليون نسمة. ويأتي أغلب هذا النمو نتيجة الهجرة، وارتفاع الولادات بين الجيل الثاني من المهاجرين، خصوصًا في الديانات التالية:
- اليهود: 1.7% (5.9 مليون نسمة)، مع تركّز كبير في ولايات مثل نيويورك وفلوريدا.
- المسلمون: 1.2% (4.16 مليون نسمة)، يشكلون شريحة شابة ومتزايدة.
- البوذيون: 1.1% (3.8 مليون نسمة)، ينتشرون في ولايات الساحل الغربي.
- الهندوس: 0.9% (3.12 مليون نسمة)، يتمركزون في الضواحي التكنولوجية مثل وادي السيليكون.
- ديانات أخرى: مثل السيخ والبهائيين والطاويين، بنسبة تقارب 2.1% (7.3 مليون نسمة).
الفروق العمرية والعرقية في الانتماء الديني
تشير الدراسات إلى أن كبار السن في أمريكا أكثر تمسكًا بالدين من الشباب. فبينما تبلغ نسبة المسيحيين بين من هم فوق 60 عامًا أكثر من 70%، فإنها تقل إلى 46% بين الجيل Z. كما يظهر أن الأمريكيين من أصول لاتينية وآسيوية أكثر ميلًا للأديان غير المسيحية، مقارنة بالأمريكيين البيض الذين ينتمون في أغلبهم إلى البروتستانتية أو الكاثوليكية.
المشاركة الدينية والسلوكيات الإيمانية
لا يرتبط الدين في أمريكا بالانتماء فقط، بل أيضًا بالممارسة. تظهر البيانات أن حوالي 44% من السكان يصلون يوميًا، ونحو 35% يزورون دور العبادة مرة على الأقل في الشهر. لكن اللافت هو ازدياد الاعتماد على الحضور الرقمي للعبادات: فقد أشارت الإحصاءات إلى أن حوالي 23% من البالغين يتابعون خدمات دينية عبر الإنترنت كل شهر.
المستقبل الديني في أمريكا: ثبات أم تحوّل؟
رغم استقرار نسبي في نسب الانتماء الديني بين عامي 2020 و2025، إلا أن الاتجاه العام لا يزال يتجه نحو المزيد من التعددية والانفتاح، لا سيما مع تزايد التأثير الثقافي للأقليات، والتوجه العلماني لدى فئة الشباب، والتمرد على الأطر المؤسسية التقليدية. يُتوقع أن تواصل فئة اللادينيين نموها في العقود المقبلة، خاصة إذا استمرت النسبة العالية من الشباب الذين لا ينتمون لأي دين.
خاتمة
الأديان في الولايات المتحدة لم تعد تُقاس فقط بمقاييس الأغلبية والأقلية، بل باتت تعبيرًا عن هوية شخصية، وتيارات اجتماعية، وصراعات سياسية أحيانًا. وبينما تواصل المسيحية قيادة المشهد، فإن التعددية الدينية والثقافية تعيد تشكيل ملامح أمريكا الروحية في القرن الحادي والعشرين. تبقى البلاد ميدانًا مفتوحًا للتحول الديني، تدفعه الهجرة، والانفتاح، والتكنولوجيا، والأجيال الجديدة.